رحلة كتاب

السابع من تشرين الثاني عام 2012

جلست كعادتي كل مساء أحتسي فنجان قهوة مرّ المذاق, فأنا أحب قهوتي دون محلّيات حتى أستمتع بطعم البنّ والهال فهذا يساعدني على إدراك اللّحظات الحلوة التي تمر عليّ كل نهار. في الخلفية موسيقا فيروزية هادئة لزياد وأمامي كتاب يستعد ليقفز بين يديّ متلهفاً ليسكب أمامي قليلاَ من محتوياته.
فتحت الكتاب وإذ رائحة الورق تمتزج برائحة القهوة معطية رغبتي في القراءة دفعة لا بأس بها من الحماس. ذلك الورق المصفرّ غيّر من نظرتي لمفهوم الكتاب, وتذكرت مقالة للكاتب البرازيلي باولو كويللو ذكر فيها أن لكل كتاب رحلة عليه القيام بها. أدركت كم كان على حق. فنحن نكتسب عادات قد تكون غير قابلة للتغيير بمفهومنا الخاص, لكنها تبدو غريبة بعض الشيء بمفهوم الآخرين. كم منا قرأ كتاباً مرتين أو ثلاث؟ وكم عدد هذه الكتب؟ فلماذا نحتفظ بكل الكتب التي نشتريها مكدسة على رفوفنا بعد أن نقرأها؟ نحن بعملنا هذا ننهي رحلة الكتاب ونحافظ على أوراقه سليمة معافاة لتبقى جديدة أو شبه ذلك. بنظرنا كقراء نكون قد عملنا الواجب تجاه الكتاب, لكن الكتب بنظر الكاتب كُتبت لتُنشر لا لأن ترتاح على الرفوف. قد نحتاج لإبقاء عدد قليل منها كمراجع للأدب وللذكريات نخط بين سطورها بعض الملاحظات, لكن علينا في النهاية أن نطلق لبقية الكتب العنان لتكمل مسيرتها في نشر محتواها بين القراء. يمكننا التخفيف من طباعة الورق وتخزينه بشراء كتب إلكترونية بدل تلك التي نشتريها لنكدّسها.
هذا الموضوع أوقفني عن القراءة قليلاً وعن شرب القهوة, وتذكرت كيف نحاول احتواء ما هو عام لننعم به بخصوصية تامة, فالمكتبات العمومية باتت مهجورة مقارنة بالعقد الماضي, وكذلك دور السينما والمسارح. فها نحن نجد الأفلام في المكتبات والحوانيت وبتنا نفضّل شراء الفيلم بسعر تذكرتين ومشاهدته في البيت على الشاشة الصغيرة الكبيرة التي اقتنيناها قبل عدة أيام بدل أن نذهب لنشاهد الفيلم في دار السينما, وصارت مكتباتنا مليئة بأفلام شاهدناها مرة أو مرتين وقد لا نشاهدها مرة أخرى, حالها حال الكتب. يا لعصرنا الغريب العجيب, ويا لمفاهيمنا المتغيرة نحو الخصوصية. بدأت الأمور تفقد معناها شيئاً فشيئا. نحن جيل مخضرم تقنياً, نَحِنّ لأيام مضت كنا نشعر فيها بروعة كل جديد ونتعجّب لكل قفزة علميّة, وبتنا لا ندرك كيف نمضي في عصر صار فيه كل شيء يحتاج لحتلنة بعد مضيّ يومين أو ثلاثة. الهاتف صار ذكياً والكتاب صار إلكترونياً والصور صارت رقمية, ونحن ما زلنا نعيش فترة الإنتقال, فترة الحنين لعالم قد لا يعود, عالم قد يبقى ذكرى جميلة نخطّها يوماً على ورق إلكتروني داخل برنامج محوسب.